( ممَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي الْإِقْعَاءِ)
حَدَّثَنَايَحْيَى بْنُ مُوسَىحَدَّثَنَاعَبْدُ الرَّزَّاقِأَخْبَرَنَاابْنُ جُرَيْجٍأَخْبَرَنِيأَبُو الزُّبَيْرِ
أَنَّهُ سَمِعَطَاوُسًايَقُولُقُلْنَالِابْنِ عَبَّاسٍفِي الْإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ
قَالَ هِيَ السُّنَّةُ فَقُلْنَا إِنَّا لَنَرَاهُ جَفَاءً بِالرَّجُلِ قَالَ :
( بَلْ هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ (
******************
قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وَ قَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ
لَا يَرَوْنَ بِالْإِقْعَاءِ بَأْسًا وَ هُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِمَكَّةَمِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ
قَالَ وَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ الْإِقْعَاءَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ
******************
الشــــــــــــــــروح
تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ الْإِقْعَاءَ عَلَى نَوْعَيْنِ ، وَ سَيَظْهَرُ لَكَ أَنَّ الرُّخْصَةَ فِي الْإِقْعَاءِ
بِالْمَعْنَى الثَّانِي ( إِنَّا لَنَرَاهُ جَفَاءً بِالرِّجْلِ ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ :
ضَبَطَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّبِالرِّجْلِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَ إِسْكَانِ الْجِيمِ ، وَ غَلِطَ مَنْ ضَبَطَهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ
وَ ضَمِّ الْجِيمِ وَ خَالَفَهُ الْأَكْثَرُونَ . وَ قَالَالنَّوَوِيُّ : رَدَّالْجُمْهُورُ عَلَىابْنِ عَبْدِ الْبَرِّوَ قَالُوا :
الصَّوَابُ الضَّمُّ وَ هُوَ الَّذِي يَلِيقُ بِهِ إِضَافَةُ الْجَفَاءِ إِلَيْهِ ، انْتَهَى .
وَ يُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِأَبُو عُمَرَمَا رَوَىأَحْمَدُفِي مُسْنَدِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِلَفْظِ :
جَفَاءً بِالْقَدَمِ ، وَ يُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ مَا رَوَاهُابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَبِلَفْظِ :
لَنَرَاهُ جَفَاءَ الْمَرْءِ ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ، انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ .
وَ الْجَفَاءُ غِلَظُ الطَّبْعِ وَ تَرْكُ الصِّلَةِ وَ الْبِرِّ ( بَلْ هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ ) هَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ صَرِيحٌ
فِي أَنَّ الْإِقْعَاءَ سُنَّةٌ . وَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ
وَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي النَّهْيِ عَنِ الْإِقْعَاءِ ، فَجَنَحَالْخَطَّابِيُّوَ الْمَاوَرْدِيُّ
إِلَى أَنَّ الْإِقْعَاءَ مَنْسُوخٌ ، وَ لَعَلَّابْنَ عَبَّاسٍلَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ ،
وَ جَنَحَالْبَيْهَقِيُّإِلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْإِقْعَاءَ ضَرْبَانِ :
أَحَدُهُمَا أَنْ يَضَعَ إِلْيَتَيْهِ عَلَى عَلَى عَقِبَيْهِ وَ تَكُونَ رُكْبَتَاهُ فِي الْأَرْضِ،
وَ هَذَا هُوَ الَّذِي رَوَاهُابْنُ عَبَّاسٍوَ فَعَلَتْهُ الْعَبَادِلَةُ وَ نَصَّالشَّافِعِيُّفِي الْبُوَيْطِيِّ
عَلَى اسْتِحْبَابِهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الِافْتِرَاشَ أَفْضَلُ مِنْهُ لِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ لَهُ ،
وَ لِأَنَّهُ أَعْوَنُ لِلْمُصَلِّي وَ أَحْسَنُ فِي هَيْئَةِ الصَّلَاةِ .
وَ الثَّانِي أَنْ يَضَعَ إِلْيَتَيْهِ وَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَ يَنْصِبَ سَاقَيْهِ،
وَ هَذَا هُوَ الَّذِي وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِكَرَاهَتِهِ ، وَ تَبِعَالْبَيْهَقِيَّعَلَى هَذَا الْجَمْعِابْنُ الصَّلَاحِ
وَ النَّوَوِيُّوَ أَنْكَرَا عَلَى مَنِ ادَّعَى فِيهِمَا النَّسْخَ ، وَ قَالَا : كَيْفَ ثَبَتَ النَّسْخُ
مَعَ عَدَمِ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ وَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالتَّارِيخِ ، كَذَا فِي التَّلْخِيصِ الْحَبِيرِ .
وَ قَالَ فِي النَّيْلِ : وَ هَذَا الْجَمْعُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَ أَحَادِيثُ النَّهْيِ وَ الْمُعَارِضُ لَهَا يُرْشِدُ
لِمَا فِيهَا مِنَ التَّصْرِيحِ بِإِقْعَاءِ الْكَلْبِ ، وَ لِمَا فِي أَحَادِيثِ الْعَبَادِلَةِ مِنَ التَّصْرِيحِ بِالْإِقْعَاءِ
عَلَى الْقَدَمَيْنِ وَ عَلَى أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ . وَ قَدْ رُوِيَ عَنِابْنِ عَبَّاسٍأَيْضًا أَنَّهُ قَالَ :
مِنَ السُّنَّةِ أَنْ تَمَسَّ عَقِبَيْكَ إِلْيَتَيْكَ، وَ هُوَ مُفَسِّرٌ لِلْمُرَادِ ، فَالْقَوْلُ بِالنَّسْخِ غَفْلَةٌ عَنْ ذَلِكَ
وَ عَمَّا صَرَّحَ بِهِ الْحُفَّاظُ مِنْ جَهْلِ تَارِيخِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَ عَنِ المَنْعِ مِنَ الْمَصِيرِ
إِلَى النَّسْخِ مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ ، وَ قَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَ غَيْرِهِمْ
فِعْلُهُ كَمَا قَالَالنَّوَوِيُّ، وَ نَصَّالشَّافِعِيُّفِي الْبُوَيْطِيِّ
وَ الْإِمْلَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ ، انْتَهَى مَا فِي النَّيْلِ .
قُلْتُ : الْأَمْرُ كَمَا قَالَالشَّوْكَانِيُّوَ قَدِ اخْتَارَ هَذَا الْجَمْعَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ
كَابْنِ الْهُمَامِوَ غَيْرِهِ .
فَائِدَةٌ : قَالَابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّالِافْتِرَاشُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَفْضَلُ مِنَ الْإِقْعَاءِ الْمَسْنُونِ
بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ أَحْوَالِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، انْتَهَى .
قَالَالْقَارِيُّفِي الْمِرْقَاةِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِبْنِ حَجَرٍهَذَا مَا لَفْظُهُ :
وَ فِيهِ أَنَّ الْأَوَّلَ أَنْ يُحْمَلَ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمَسْنُونُ
وَ غَيْرُهُ إِمَّا لِعُذْرٍ أَوْ لِبَيَانِ الْجَوَازِ ، انْتَهَى .
قُلْتُ : لَوْ كَانَ لِعُذْرٍ لَمْ يَقُلِابْنُ عَبَّاسٍرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ ،
وَ الظَّاهِرُ هُوَ مَا قَالَابْنُ حَجَرٍ، وَ اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ : ( وَ قَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ لَا يَرَوْنَ بِالْإِقْعَاءِ بَأْسًا )
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ ، وَ لِلْبَيْهَقِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ
مِنَ السَّجْدَةِ الْأُولَى يَقْعُدُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ ، وَ يَقُولُ : إِنَّهُ السُّنَّةُ ،
وَ فِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا كَانَا يُقْعِيَانِ ، وَ عَنْ طَاوُسٍ
قَالَ : رَأَيْتُ الْعَبَادِلَةَ يُقْعُونَ ، أَسَانِيدُهَا صَحِيحَةٌ ، انْتَهَى .
قُلْتُ : لَكِنَّ إِقْعَاءَ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانَ بِالْمَعْنَى الثَّانِي ،
وَ لَمْ يَكُنْ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَ هُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِمَكَّةَ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَ الْعِلْمِ )
وَ هُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَ طَاوُسٍ وَ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ وَ نَافِعٍ وَ الْعَبَادِلَةِ ، كَذَا نَقَلَ الْعَيْنِيُّ عَنِ ابْنِ تَيْمِيَةَ )
وَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ الْإِقْعَاءَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ )
وَ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَ مَالِكٍ وَ الشَّافِعِيِّ وَ أَحْمَدَ ، كَذَا قِيلَ :
وَ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَ غَيْرِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ .
وَ قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ : لَنَا مَا فِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ تَصْرِيحٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّتِهِ ،
وَ مِنَ الْمَعْلُومِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّ زِيَادَةَ الِاعْتِمَادِ فِي نَقْلِ السُّنَّةِ عَلَى ابْنِ عُمَرَ ،
فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رُبَّمَا يَقُولُ بِاجْتِهَادِهِ وَ رَأْيِهِ وَ يُعَبِّرُهُ بِالسُّنَّةِ ، انْتَهَى .
قُلْتُ : هَذَا مُجَرَّدُ ادِّعَاءٍ ، وَ لَوْ سُلِّمَ فَإِنَّمَا يَكُونُ تَعْبِيرُهُ بِالسُّنَّةِ لَا بِسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ ،
وَ قَدْ قَالَ فِي الْإِقْعَاءِ : هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ عَلَى أَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ ابْنُ عُمَرَ أَيْضًا بِأَنَّهُ سُنَّةٌ ،
كَمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الْأُولَى يَقْعُدُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ ،
وَ يَقُولُ : إِنَّهُ السُّنَّةُ ،
وَ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ كَمَا عَرَفْتَ ..
منقووول للفائــدة